مقالات

ما هو الإنترنت الفضائي «ستارلينك»؟

الإنترنت هو شبكة عالمية تربط بين ملايين الأجهزة والخوادم والمستخدمين عبر تقنيات مختلفة مثل الألياف الضوئية والهوائيات والأقمار الصناعية. ومع ذلك، فإن الوصول إلى الإنترنت ليس متساوياً في جميع أنحاء العالم، حيث أن هناك مناطق محرومة أو نائية أو منكوبة لا تتمتع بخدمة إنترنت جيدة أو موثوقة أو متاحة.

لذلك، ظهرت فكرة الإنترنت الفضائي كحل محتمل لهذه المشكلة، وهو عبارة عن خدمة إنترنت تعتمد على الأقمار الصناعية التي تدور في مدار أرضي منخفض وترسل وتستقبل البيانات من وإلى الأرض.

ومن بين مشاريع الإنترنت الفضائي الموجودة أو المخططة، يبرز مشروع «ستارلينك» الذي أطلقته شركة «سبيس إكس» المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك، والذي يهدف إلى إنشاء شبكة من آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة لتوفير خدمة إنترنت عالية السرعة ومنخفضة التأخير ومتاحة في كل مكان على الكوكب. في هذا المقال، سنتعرف على ما هو مشروع «ستارلينك» وكيف يعمل وما هي مزاياه وعيوبه وتحدياته.

ما هو مشروع «ستارلينك»؟

مشروع «ستارلينك» هو مشروع طموح بدأته شركة «سبيس إكس» عام 2015، ويقوم على إطلاق آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة والخفيفة إلى مدار أرضي منخفض، يتراوح ارتفاعه بين 340 و1200 كيلومتر عن سطح الأرض، وتتصل هذه الأقمار الصناعية ببعضها البعض بواسطة أشعة ليزر، وترسل وتستقبل البيانات من وإلى الأرض عبر طبقات هوائية صغيرة تسمى «ستارلينك ديش» (Starlink Dish)، والتي يمكن تركيبها على الأسطح أو الأرض أو السيارات أو السفن أو الطائرات.

ويهدف مشروع «ستارلينك» إلى توفير خدمة إنترنت عالية السرعة ومنخفضة التأخير ومتاحة في كل مكان على الكوكب، خاصة في المناطق النائية أو المحرومة أو المنكوبة، حيث لا تتوفر خدمة إنترنت جيدة أو موثوقة أو متاحة بواسطة التقنيات التقليدية.

ويقدر ماسك أن مشروعه سيساعد في تقليل الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية، ويساهم في تحسين الاتصالات والتعليم والصحة والتجارة والترفيه وغيرها من المجالات الحيوية.

كيف يعمل مشروع «ستارلينك»؟

مشروع «ستارلينك» يعتمد على مبدأ بسيط وهو استخدام الأقمار الصناعية كوسيط بين الأرض والإنترنت، بحيث تقوم الأقمار الصناعية بنقل البيانات من وإلى الأرض عبر موجات الراديو، وتتصل ببعضها البعض بواسطة أشعة ليزر، مما يسمح بتقليل المسافة والزمن اللازمين لنقل البيانات مقارنة بالأقمار الصناعية التقليدية التي تدور في مدار أرضي متزامن أو متوسط، والتي تبعد عن سطح الأرض حوالي 36000 كيلومتر.

عدد الأقمار الصناعية: يخطط مشروع «ستارلينك» لإطلاق حوالي 12000 قمر صناعي في مدار أرضي منخفض، مما يعني أنه سيكون هناك دائماً قمر صناعي متاح للاتصال بالمستخدمين في أي مكان على الأرض، ويقلل من احتمالية حدوث انقطاعات أو تداخلات في الإشارة. وحتى الآن، تم إطلاق حوالي 900 قمر صناعي ضمن شبكة «ستارلينك»، ويتم إطلاق المزيد منها بانتظام بواسطة صواريخ «فالكون 9» التابعة لشركة «سبيس إكس».

ما هي مزايا وعيوب وتحديات مشروع «ستارلينك»؟

مشروع «ستارلينك» يحمل العديد من المزايا والفرص لتحسين خدمة الإنترنت في العالم، وخاصة في المناطق النائية أو المحرومة أو المنكوبة، حيث يمكن أن يساهم في تعزيز الاتصالات والتعليم والصحة والتجارة والترفيه وغيرها من المجالات الحيوية. ومن بين المزايا التي يقدمها مشروع «ستارلينك»، نذكر ما يلي:

سرعة الإنترنت: يوفر مشروع «ستارلينك» سرعة إنترنت عالية تصل إلى 150 ميغابت في الثانية، وهي أسرع بكثير من معظم خدمات الإنترنت الأرضية أو الفضائية المتاحة حالياً1. ويتوقع أن تزيد هذه السرعة مع زيادة عدد الأقمار الصناعية وتحسين التقنيات المستخدمة.

تأخير الإنترنت: يقلل مشروع «ستارلينك» من تأخير الإنترنت أو الزمن الذي يستغرقه نقل البيانات من وإلى الأرض، حيث يبلغ هذا التأخير حوالي 20 مللي ثانية، وهو أقل بكثير من تأخير الإنترنت الفضائي التقليدي الذي يصل إلى 600 مللي ثانية2. ويعني هذا التأخير المنخفض تحسين جودة الاتصالات الصوتية والمرئية والألعاب الإلكترونية وغيرها من الخدمات التي تتطلب استجابة سريعة.

توافر الإنترنت: يوفر مشروع «ستارلينك» توافر الإنترنت في كل مكان على الكوكب، باستثناء القطبين، حيث يمكن للمستخدمين الحصول على خدمة الإنترنت بواسطة طبق هوائي صغير يسمى «ستارلينك ديش»، والذي يمكن تركيبه على الأسطح أو الأرض أو السيارات أو السفن أو الطائرات. ويتميز هذا الطبق بأنه ذكي ويمكنه تتبع الأقمار الصناعية المتحركة في السماء والتواصل معها بشكل مستمر.

تكلفة الإنترنت: يهدف مشروع «ستارلينك» إلى تقديم خدمة الإنترنت بتكلفة معقولة ومنافسة، حيث يبلغ سعر الاشتراك في الخدمة التجريبية حالياً 99 دولاراً أمريكياً شهرياً، بالإضافة إلى 499 دولاراً أمريكياً لشراء الطبق الهوائي والمودم والملحقات3. ويتوقع أن تنخفض هذه التكلفة مع زيادة عدد المشتركين وتحسين الكفاءة.

ما هو الإنترنت الفضائي «ستارلينك»؟
ما هو الإنترنت الفضائي «ستارلينك»؟

ومع كل هذه المزايا، فإن مشروع «ستارلينك» ليس خالياً من العيوب والتحديات التي تواجهه، ومنها:

 

التلوث الضوئي: يثير مشروع «ستارلينك» قلق العديد من العلماء والهواة الذين يهتمون بمراقبة السماء والنجوم، حيث أن الأقمار الصناعية الصغيرة تعكس ضوء الشمس وتظهر كنقاط متحركة في السماء، مما يؤثر على الرؤية والصور الفلكية والبحوث العلمية. وقد حاولت شركة «سبيس إكس» التخفيف من هذه المشكلة بتغيير موقع وزاوية ومادة الأقمار الصناعية، ولكن لم تزل هناك انتقادات وشكاوى من هذا الجانب.

الازدحام الفضائي: ينطوي مشروع «ستارلينك» على إطلاق آلاف الأقمار الصناعية في مدار أرضي منخفض، مما يزيد من الازدحام والتزاحم في الفضاء، ويزيد من خطر التصادم مع الأقمار الصناعية الأخرى أو الحطام الفضائي. وقد أبدت بعض الوكالات والمنظمات الفضائية مثل ناسا والاتحاد الدولي للاتصالات وغيرها مخاوفها من هذا الأمر، وطالبت بوضع قواعد ومعايير لضمان السلامة والاستدامة في الفضاء.

القدرة التنظيمية: يواجه مشروع «ستارلينك» تحديات تنظيمية في بعض البلدان والمناطق، حيث أن بعض الحكومات قد ترفض منح التراخيص أو الموافقات لتشغيل الخدمة على أراضيها، أو قد تفرض قيوداً أو رسوماً على استخدامها، خاصة إذا كانت تنافس مع شركات محلية أو تهدد مصالحها السياسية أو الأمنية. وقد تحتاج شركة «سبيس إكس» إلى التفاوض والتعاون مع السلطات المختلفة

 

كيف يمكن الاستفادة من مشروع «ستارلينك»؟

إذا نجح مشروع «ستارلينك» في تحقيق أهدافه وتغطية كل مكان على الأرض بخدمة إنترنت عالية السرعة ومنخفضة التأخير ومتاحة بتكلفة معقولة، فإن ذلك سيفتح الباب للعديد من الفرص والاستفادات في مختلف المجالات والقطاعات، ومنها:

  • التعليم: سيساعد مشروع «ستارلينك» في تحسين جودة وتوافر التعليم عن بعد، حيث سيتمكن الطلاب والمعلمين في المناطق النائية أو المحرومة أو المنكوبة من الوصول إلى الموارد والمنصات والبرامج التعليمية عبر الإنترنت، والمشاركة في الدروس والمحاضرات والامتحانات بشكل سلس وفعال، والاستفادة من التعليم المدمج والمخصص والتفاعلي.
  • الصحة: سيساعد مشروع «ستارلينك» في تحسين جودة وتوافر الرعاية الصحية عن بعد، حيث سيتمكن المرضى والأطباء في المناطق النائية أو المحرومة أو المنكوبة من الوصول إلى المعلومات والخدمات والتطبيقات الصحية عبر الإنترنت، والقيام بالتشخيص والعلاج والمتابعة بشكل سريع ودقيق، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والمتصل في مجال الصحة.
  • الاقتصاد: سيساعد مشروع «ستارلينك» في تحسين جودة وتوافر الخدمات والأعمال الاقتصادية عن بعد، حيث سيتمكن العملاء والمقدمين في المناطق النائية أو المحرومة أو المنكوبة من الوصول إلى السوق والمنتجات والخدمات عبر الإنترنت، والقيام بالتسويق والتجارة والدفع بشكل آمن ومريح، والاستفادة من التجارة الإلكترونية والمالية والرقمية.
  • الترفيه: سيساعد مشروع «ستارلينك» في تحسين جودة وتوافر الخدمات والأنشطة الترفيهية عن بعد، حيث سيتمكن المستخدمين في المناطق النائية أو المحرومة أو المنكوبة من الوصول إلى المحتوى والمنصات والتطبيقات الترفيهية عبر الإنترنت، والمشاهدة والاستماع واللعب والتواصل بشكل ممتع ومشوق، والاستفادة من الوسائط المتعددة والواقع الافتراضي والاجتماعي.

الأكثر هيمنة في الفضاء .. إيلون ماسك يثير قلق الجيوش والقادة

مشروع «ستارلينك» هو مشروع طموح ومبتكر يهدف إلى توفير خدمة إنترنت فضائية عالية السرعة ومنخفضة التأخير ومتاحة في كل مكان على الأرض، بواسطة شبكة من آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة التي تدور في مدار أرضي منخفض. ويقدم هذا المشروع العديد من المزايا والفرص لتحسين الاتصالات والتعليم والصحة والاقتصاد والترفيه وغيرها من المجالات الحيوية، خاصة في المناطق النائية أو المحرومة أو المنكوبة.

ولكنه يواجه أيضاً العديد من العيوب والتحديات التي تتعلق بالتلوث الضوئي والازدحام الفضائي والقدرة التنظيمية وغيرها من الجوانب التي تحتاج إلى حلول وتنسيق وتعاون بين الجهات المعنية. وفي النهاية، يبقى مشروع «ستارلينك» مشروعاً واعداً ومثيراً للاهتمام، ويمكن أن يغير وجه الإنترنت والعالم في السنوات القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى